ليس من الأعذار المبيحة لترك صلاة الجماعة الانشغال بالضيف، أو الأنشغال بأمور دنيوية غير طارئة يمكن أن تقدم الصلاة عليها.
والأعذار التي تبيح التخلف عن صلاة الجماعة : منها ما هو عام , ومنها ما هو خاص . وبيان ذلك فيما يلي : -
الأعذار العامة التي تبيح التخلف عن صلاة الجماعة :
ب - الريح الشديدة ليلاًً لما في ذلك من المشقة .
ج - البرد الشديد ليلاً أو نهارًًا , وكذلك الحر الشديد . والمراد البرد أو الحر الذي يخرج عما ألفه الناس أو ألفه أصحاب المناطق الحارة أو الباردة .
د - الوحل الشديد الذي يتأذى به الإنسان في نفسه وثيابه , ولا يؤمن معه التلوث .
وعن أبي يوسف : سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين وردغة؟ فقال : لا أحب تركها .
قال ابن عابدين : نقلا عن بعض فقهاء الأحناف : اختلف في كون الأمطار والثلوج والأوحال والبرد الشديد عذرًا , وعن أبي حنيفة : إذا اشتد التأذي يعذر , وفي وجه عند الشافعية - وهو مقابل الصحيح - أن الوحل ليس بعذر , والصحيح أنه عذر .
هـ - الظلمة الشديدة , والمراد بها كون الإنسان لا يبصر طريقه إلى المسجد , قال ابن عابدين : والظاهر أنه لا يكلف إيقاد نحو سراج وإن أمكنه ذلك . والدليل على كون الأعذار السابقة من مطر وغيره تبيح التخلف عن الجماعة الأحاديث الواردة في ذلك ومنها : -
ما روي أن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح فقال : ” ألا صلوا في الرحال , ثم قال : { إن رسول الله ﷺ كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول : ألا صلوا في رحالكم } وفي رواية : { كان يأمر مناديه في الليلة الممطرة والليلة الباردة ذات الريح أن يقول : ألا صلوا في رحالكم } .
عن عبد الله بن الحارث , عن عبد الله بن عباس : { أنه قال لمؤذنه في يوم مطير : إذا قلت : أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدًا رسول الله فلا تقل : حي على الصلاة . قل : صلوا في بيوتكم . قال : فكأن الناس استنكروا ذاك . فقال : أتعجبون من ذا ؟ قد فعل ذا من هو خير مني . إن الجمعة عزمة ، وإني كرهت أن أحرجكم , فتمشوا في الطين والدحض } .
الأعذار الخاصة التي تبيح التخلف عن صلاة الجماعة :
- وهو المرض الذي يشق معه الإتيان إلى المسجد لصلاة الجماعة . قال ابن المنذر : لا أعلم خلافًا بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض , ولأن { النبي ﷺ لما مرض تخلف عن المسجد ،وقال : “مروا أبا بكر فليصل بالناس ” , ومن ذلك كبر السن الذي يشق معه الإتيان إلى المسجد .
ب - الخوف :
- وهو عذر في ترك الجماعة - ; لما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي ﷺ قال : { من سمع النداء , فلم يمنعه من اتباعه عذر , قالوا : وما العذر يا رسول الله ؟ قال : خوف أو مرض , لم تقبل منه الصلاة التي صلى } .
والخوف ثلاثة أنواع : خوف على النفس , وخوف على المال , وخوف على الأهل .
الأول : أن يخاف على نفسه سلطانًا يأخذه , أو عدوًا أو لصًا أو سبعًا أو دابة أو سيلاً أو نحو ذلك مما يؤذيه في نفسه , وفي معنى ذلك أن يخاف غريمًا له يلازمه , ولا شيء معه يوفيه ; لأن حبسه بدين هو معسر به ظلم له . فإن كان قادرًا على أداء الدين لم يكن عذرًا له ; لأنه يجب إيفاؤه .
ومن ذلك : الخوف من توقيع عقوبة , كتعزير وقود وحد قذف مما يقبل العفو . فإن كان يرجو العفو عن العقوبة إن تغيب أيامًا عن الجماعة كان ذلك عذرًا . فإن لم يرج العفو أو كان الحد , مما لا يقبل العفو كحد الزنا لم يكن ذلك عذرًا , وهذا كما يقول الشافعية والمالكية .
واختلف الحنابلة فيمن وجب عليه قصاص , فلم يعتبره بعضهم عذرًا , واعتبره بعضهم عذرًا إن رجا العفو مجانًا أو على مال , وقال القاضي : إن كان يرجو الصلح على مال فله التخلف حتى يصالح . أما الحدود , فما كان حقًا لآدمي كحد القذف فالصحيح عندهم أنه ليس عذرًا في التخلف , لكن ابن مفلح قال في كتابه الفروع : ويتوجه فيه وجه : إن رجا العفو , أما الحدود التي لا تقبل العفو فلا تعتبر عذرًا .
الثاني : أن يخاف على ماله من ظالم أو لص , أو يخاف أن يسرق منزله أو يحرق منه شيء , أو يكون له خبز في تنور أو طبيخ على نار , ويخاف حريقه باشتغاله عنه , أو يكون له غريم إن ترك ملازمته ذهب بماله , أو يكون له بضاعة أو وديعة عند رجل وإن لم يدركه ذهب , أو كانت عنده أمانة كوديعة أو رهن أو عارية مما يجب عليه حفظه , ويخاف تلفه بتركه . ويدخل في ذلك الخوف على مال الغير .
الثالث : الخوف على الأهل : من ولد ووالد وزوج إن كان يقوم بتمريض أحدهم , فإن ذلك عذر في التخلف عن الجماعة .
ومثل ذلك : القيام بتمريضه الأجنبي إذا لم يكن له من يقوم بتمريضه , وكان يخشى عليه الضياع لو تركه , وقد ثبت أن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - استصرخ على سعيد بن زيد , وهو يتجمر للجمعة , فأتاه بالعقيق , وترك الجمعة .
ج - حضور طعام تشتاقه نفسه وتنازعه إليه :
- قال ابن قدامة : إذا حضر العشاء في وقت الصلاة فالمستحب أن يبدأ بالعشاء قبل الصلاة ; ليكون أفرغ لقلبه وأحضر لباله , ولا يستحب أن يعجل عن عشائه أو غدائه , فإن أنسًا روى عن النبي ﷺ قال : { إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب , ولا تعجلوا عن عشائكم } , ولا فرق بين أن يخاف فوت الجماعة أو لا يخاف , فإن في بعض ألفاظ حديث أنس : { إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء } وعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال رسول الله ﷺ : { إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء ولا يعجلن حتى يفرغ منه } . وتعشى ابن عمر وهو يسمع قراءة الإمام .
قال ابن قدامة : قال أصحابنا : إنما يقدم العشاء على الجماعة إذا كانت نفسه تتوق إلى الطعام كثيرًا , ونحوه قال الشافعي . وقال بظاهر الحديث عمر وابنه وإسحاق وابن المنذر . وقال ابن عباس : لا نقوم إلى الصلاة وفي أنفسنا شيء . قال ابن عبد البر : أجمعوا على أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته أن صلاته تجزئه .
د - مدافعة أحد الأخبثين :
- ومثلهما الريح , فإن ذلك عذر يبيح التخلف عن الجماعة , قالت السيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها - : إني سمعت رسول الله ﷺ يقول : { لا صلاة بحضرة طعام , ولا هو يدافعه الأخبثان } , ولأن القيام إلى الصلاة مع مدافعة أحد الأخبثين يبعده عن الخشوع فيها ويكون مشغولا عنها .
هـ- أكل ذي رائحة كريهة :
- وذلك كبصل وثوم وكراث وفجل إذا تعذر زوال رائحته , فإن ذلك عذر يبيح التخلف عن الجماعة , حتى لا يتأذى به الناس والملائكة ; لحديث : { من أكل من هذه البقلة : الثوم - وقال مرة : من أكل البصل والثوم والكراث - فلا يقربن مسجدنا ; فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم } . والمراد أكل هذه الأشياء نيئة , ويدخل في ذلك من كانت حرفته لها رائحة مؤذية , كالجزار والزيات ونحو ذلك . ومثل ذلك من كان به مرض يتأذى به الناس , كجذام وبرص , ففي كل ذلك يباح التخلف عن الجماعة .
و - العري :
- فمن لم يجد ما يستر ما بين السرة والركبة فإنه يباح له التخلف عن الجماعة . وهذا إذا كان من عادة أمثاله الخروج بمثل ذلك , قال الشافعية وبعض المالكية : الأليق بالحنيفية السمحة : أنه إن وجد ما يليق بأمثاله خرج للجماعة , وإلا فلا .
ز- ( العمى ) :
- اعتبر الحنفية أن العمى عذر يبيح التخلف عن الجماعة وإن وجد قائدًا . ولم يعتبره جمهور الفقهاء عذرًا إلا أن لا يجد قائدًا , ولم يهتد للطريق بنفسه .
ح - ( إرادة السفر ) :
- من تأهب لسفر مباح مع رفقة , ثم أقيمت الجماعة , وكان يخشى إن حضر الجماعة أن تفوته القافلة , فإنه يباح له التخلف عن الجماعة .
ط- غلبة النعاس والنوم :
- فمن غلبه النعاس والنوم إن انتظر الجماعة صلى وحده . وكذلك لو غلبه النعاس مع الإمام ; لأن { رجلاً صلى مع معاذ , ثم انفرد فصلى وحده عند تطويل معاذ , وخوف النعاس والمشقة , فلم ينكر عليه النبي ﷺ حين أخبره } , والأفضل الصبر والتجلد على رفع النعاس والصلاة جماعة .
ي - زفاف الزوجة :
38 - فزفاف الزوجة عذر يبيح للزوج التخلف عن صلاة الجماعة , وذلك كما يقول الشافعية والحنابلة , لكن الشافعية قيدوه بالتخلف عن الجماعة في الصلوات الليلية فقط , وأما المالكية فلم يعتبروا ذلك عذرًا , وخفف مالك للزوج ترك بعض الصلاة في الجماعة للاشتغال بزوجه والسعي إلى تأنيسها واستمالتها .
ك - ذكر الحنفية من الأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة : الاشتغال بالفقه ; لا بغيره من العلوم . كما ذكر الشافعية من الأعذار : السمن المفرط .