الأضحية سنة في الأمة من عهد إبراهيم عليه السلام إلى عهد محمد نبينا عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا،وجاء تشريع الأُضحية في السنة الثانية للهجرة، قال سبحانه وتعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)،وأصلها  أن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام امتحنه الله فأمره بذبح ابنه بكره إسماعيل عليه الصلاة والسلام ليخلص قلبه لمحبته سبحانه وتعالى،فلما أراد ذبحه ولم يبق إلا أن يوهي بالسكين إلى حلقه ورفع عنهما هذا الأمر وفداه بذبح عظيم.

هل ينتفع الميت بالأضحية:

-الميت إذا أوصى بالتضحية عنه جاز ذلك باتفاق الفقهاء، وإذا كان الميت قد نذر ذلك ومات قبل أن يضحي وجب على ورثته أن يضحوا عنه لأنها صارت دينا لله تعالى ويجب قضاؤه.

-أما إذا لم يوص بالأضحية عنه وأراد أحد من الورثة أن يضحي عنه من مال نفسه فذهب جمهور الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جواز التضحية عنه، فالموت لا يمنع التقرب عن الميت فكما تجوز الصدقة عنه فتجوز التضحية عنه، وقد صح أنه ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لم يضح من أمته، والحديث رواه ابن ماجه وأحمد، والدارمي، وذهب الشافعية إلى أنه لا يجوز التضحية عن الميت بغير وصية أو وقف.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
إذا أوصى الميت بالتضحية عنه، أو وقف وقفا لذلك جاز بالاتفاق، فإن كانت واجبة بالنذر وغيره وجب على الوارث إنفاذ ذلك.

أما إذا لم يوص بها فأراد الوارث أو غيره أن يضحي عنه من مال نفسه، فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جواز التضحية عنه، إلا أن المالكية أجازوا ذلك مع الكراهة، وإنما أجازوه لأن الموت لا يمنع التقرب عن الميت كما في الصدقة والحج، وقد صح أن رسول الله (ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه، والآخر عمن لم يضح من أمته).

وعلى هذا لو اشترك سبعة في بدنة فمات أحدهم قبل الذبح، فقال ورثته – وكانوا بالغين – اذبحوا عنه جاز ذلك.
وذهب الشافعية إلى أن الذبح عن الميت لا يجوز بغير وصية أو وقف . أ.هـ

هل ينتفع الميت بسائر القربات والصدقات:

وجاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي:
وأي قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله أما الدعاء، والاستغفار، والصدقة، وأداء الواجبات، فلا أعلم فيه خلافا، إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة، وقد قال الله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)، وقال الله تعالى: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات)، (ودعا النبي لأبي سلمة حين مات)، وللميت الذي صلى عليه في حديث عوف بن مالك، ولكل ميت صلى عليه، ولذي النجادين حتى دفنه، وشرع الله ذلك لكل من صلى على ميت.

-(وسأل رجل النبي فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت، فينفعها إن تصدقت عنها ؟قال: نعم). رواه أبو داود.

-وروي ذلك عن سعد بن عبادة. (وجاءت امرأة إلى النبي فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم . قال: فدين الله أحق أن يقضى) (وقال للذي سأله: إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال : نعم).
وهذه أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب، لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها.

-وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن رسول الله قال لعمرو بن العاص: لو كان أبوك مسلما، فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه، بلغه ذلك).

وهذا عام في حج التطوع وغيره، ولأنه عمل بر وطاعة، فوصل نفعه وثوابه، كالصدقة والصيام والحج الواجب.

وقال الشافعي: ما عدا الواجب والصدقة والدعاء والاستغفار لا يفعل عن الميت ولا يصل ثوابه إليه، لقول الله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى). وقول النبي : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له)، ولأن نفعه لا يتعدى فاعله، فلا يتعدى ثوابه.
وقال بعضهم: إذا قرئ القرآن عند الميت، أو أهدي إليه ثوابه، كان الثواب لقارئه، ويكون الميت كأنه حاضرها، فترجى له الرحمة.

ولنا ما ذكرناه –أي انتفاع الميت بسائر القرب والطاعات التي تجوز فيها النيابة- وأنه إجماع المسلمين، فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون ويقرءون القرآن، ويهدون ثوابه إلى موتاهم من غير نكير، ولأن الحديث صح عن النبي : (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)، والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه، ويحجب عنه المثوبة. ولأن الموصل لثواب ما سلموه –أي الصدقة الجارية ودعاء الولد الصالح- قادر على إيصال ثواب ما منعوه –وهو سائر القرب والطاعات-