فهذا الحديث الذي ورد فيه أن ملك استأذن رسول الله ﷺ- قبل أن يقبض روحه وخيره فيه بين الخلود في الدنيا أو لقاء الله، ثم أذن له رسول الله ﷺ في قبض روحه، وتعزية الخضر لآل بيت النبي، هذا الحديث موضوع، ولا تصح روايته ولا نسبته إلى رسول الله –ﷺ-، وقد بين علماء الحديث أسباب ذلك.
وإليك فتوى الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
حديث استئذان ملك الموت على النبي ﷺ ورد بعدة روايات منها :
عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن رجلاً من قريش دخل على أبيه علي بن الحسين، فقال : ألا أحدثك عن رسول الله ﷺ قال: بلى حدثنا عن أبي القاسم ﷺ قال : لما مرض رسول الله ﷺ أتاه جبريل فقال: يا محمد! إن الله أرسلني إليك تكريماً لك، وتشريفاً لك، خاصة لك؛ يسألك عما هو أعلم به منك، يقول : كيف تجدك ؟ قال : أجدني يا جبريل! مغموماً، وأجدني يا جبريل مكروباً، ثم جاءه اليوم الثاني، فقال له ذلك، فرد عليه النبي ﷺ كما رد أول يوم، ثم جاءه اليوم الثالث، فقال له كما قال أول يوم، ورد عليه، كما رد عليه، وجاء معه ملك – يقال له إسماعيل – على مئة ألف ملك، كل ملك على مئة ألف ملك، فاستأذن عليه، فسأله عنه؟ ثم قال جبريل : هذا ملك الموت يستأذن عليك؛ ما استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال: ائذن له، فأذن له، فسلم عليه، ثم قال: يا محمد! إن الله أرسلني إليك؛ فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضت، وإن أمرتني أن أتركه تركته! فقال: وتفعل يا ملك الموت؟!، قال : نعم، بذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك، قال: فنظر النبي ﷺ إلى جبريل عليه السلام فقال جبريل: يا محمد! إن الله قد اشتاق إلى لقائك، فقال النبي ﷺ لملك الموت: امض لما أمرت به، فقبض روحه، فلما توفي رسول الله ﷺ وجاءت التعزية؛ سمعوا صوتاً من ناحية البيت! السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاءً من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل فائت، فبالله فاتقوا وإياه فارجوا؛ فإنما المصاب من حرم الثواب! فقال علي : أتدرون من هذا هو الخضر عليه السلام ) رواه البيهقي في دلائل النبوة وذكره صاحب مشكاة المصابيح وقال الشيخ الألباني في تعليقه على المشكاة: [إسناده واهٍ وكل حديث فيه حياة الخضر إلى عهده ﷺ لا يصح ] مشكاة المصابيح 3/1685.
وقال العلامة ابن القيم عند تعداده للضوابط التي يعرف بها أن الحديث لا يثبت عن النبي ﷺ:
[ومنها الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد ] المنار المنيف ص 67 .
وقال الشوكاني: [ وفي إسناده القاسم بن عبد الله بن عمر وهو متروك وقد كذبه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقال أحمد إنه كان يضع الحديث ] تحفة الذاكرين ص 316.
وقال الشيخ الألباني أيضاً عن الحديث السابق: [موضوع – أي مكذوب – أخرجه الإمام الشافعي في السنن عن القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص عن جعفر … وهذا إسناد ضعيف جداً على إرساله ، آفته القاسم هذا – وهو العمري المدني – قال الإمام أحمد : ليس بشيء كان يكذب ويضع الحديث . وكذبه ابن معين أيضاً ، ولهذا قال الحافظ في التقريب : متروك رماه أحمد بالكذب .] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 11/2/642-643 .
وقال محقق كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف: [وهذا الحديث بطوله فيه انقطاع فإن محمداً الباقر والد جعفر الصادق وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب تابعي لم يدرك رسول الله ﷺ هو ولا أبوه زين العابدين ] لطائف المعارف ص 212 .
وجاء في رواية أخرى عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: لما كان قبل وفاة رسول الله ﷺ بثلاثة أيام هبط عليه جبريل فقال: يا محمد إن الله عز وجل أرسلني إليك إكراماً لك، وتفضيلاً لك، وخاصةً لك يسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك؟ فقال النبي ﷺ : أجدني يا جبريل مغموماً وأجدني يا جبريل مكروباً، فلما كان اليوم الثالث، هبط جبريل وهبط مع ملك الموت وهبط معهما ملك في الهواء يقال له: إسماعيل على سبعين ألف ملك، ليس فيهم ملك إلا على سبعين ألف ملك يشيعهم جبريل فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك إكراماً لك، وتفضيلاً لك، وخاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك؟ فقال رسول الله ﷺ أجدني يا جبريل مغموماً، وأجدني يا جبريل مكروباً، فاستأذن ملك الموت على الباب فقال له جبريل: يا محمد هذا ملك الموت يستأذن عليك، ولا استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال: ائذن له، فأذن له جبريل فأقبل حتى وقف بين يديه فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك، فيما أمرتني به، إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها، وإن كرهت تركتها، فقال له رسول الله ﷺ : أتفعل يا ملك الموت؟ قال: نعم وبذلك أمرت أن أطيعك فيما أمرتني به، فقال له جبريل: إن الله قد اشتاق إلى لقائك، فقال له رسول الله ﷺ : امض لما أمرت به، فقال له جبريل: هذا آخر وطئي الأرض، إنما كنت حاجتي في الدنيا، فلما توفي رسول الله ﷺ وجاءت التعزية جاء آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كل نفس ذائقة الموت، إن في الله عزاءً من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل ما فات، فبالله ثقوا، وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) رواه الطبراني وفيه: عبد الله بن ميمون القداح ، قال أبو حاتم وغيره متروك. .
وقال الهيثمي: [رواه الطبراني وفيه عبد الله بن ميمون القداح ذاهب الحديث] مجمع الزوائد 9/35 .
وقال الشيخ الألباني عن عبد الله بن ميمون القداح: [قلت : والقداح هذا ، قال أبو حاتم : متروك . وقال البخاري: ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به . وفي التقريب : منكر الحديث متروك . وبه أعله الهيثمي في مجمع الزوائد 9/35 . ] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 11/2/643.
وخلاصة الأمر أن حديث استئذان ملك الموت على النبي ﷺ عند وفاته لا يصح ولا يثبت عن رسول الله ﷺ بل هو من الأحاديث الواهية ولا تجوز رواية مثل هذا الحديث إلا مع بيان درجته.