روى مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: غَزونا مع رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلّم ـ سبعَ غزواتٍ كُنَّا نأكلُ الجراد معه، ولم يختلف العلماءُ في أكله على الجملة، وأنّه إذا أخذَ حيًّا وقطعت رأسه فإنه حلال باتفاق، وأن ذلك يتنزّل منه منزلة الذّكاة فيه. وإنما اختلفوا: هل يحتاج إلى سبب يموت به إذا صِيد أم لا، فعامّتُهم على أنه لا يحتاج إلى ذلك ويؤكَل كيفما مات، وحكمه عندهم حكم الحيتان (الأسماك)، وذهب مالك إلى أنه لا بد من سبب يموت به، كقطع رأسه أو أرجله أو أجنحتِه إذا مات من ذلك، أو يُصلق (يُشْوى أو يُطبخ) أو يُطْرَح في النار؛ لأنه عنده من حيوان البَرِّ فميتته محرّمة، وروى الطبراني عن ابن عمر أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال ” أُحِلَّ لنا مَيْتَتانِ: الحوتُ والجَراد ، ودَمانِ الكَبِد والطُّحال” وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك:” كن (أي أزواج النبيّ) ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يتهادين الجَراد على الأطباق” ، وذكره ابن المنذر أيضا ” تفسير القرطبي ج7 ص267 ” .
وجاء في حياة الحيوان الكبرى للدميري زيادة على ذلك أن الإمام مالكًا ذكر في كتابه ” الموطأ ” عن ابن عمر أن عمر سُئل عن الجراد فقال : ودِدت أن عندي قفّة آكُل منها، وروى البيهقي عن أبي أمامة الباهليّ أنّ النبي ـ صلّى الله عليه وسلَّم ـ قال ” إن مريم بنت عمران عليها السلام سألتْ ربّها أن يطعمَها لحمًا لا دمَ له، فأطعمها الجراد، فقالت: اللهم أعِشه بغير رَضاع، وتابِع بينه بغير شياع” والشياع هو الصّوت. انتهى .
هذا في حكم أكله، أما قتله وإبادته فقد مرّ الكلام عليه في الجزء الأول (من الفتاوى) ” ص473 ” وزيادة عليه جاء في حياة الحيوان أيضا أن ابن ماجه روى عن أنس أن النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلم ـ دَعا على الجراد فقال ” اللهم أهلِك كِبارَه وأفسد صِغاره واقطع دابِرَه وخذْ بأفواهِه عن معايِشِنا وأرزاقنا، إنّك سميع الدُّعاء ” فقال رَجل: يا رسول الله كيف تدعو على جند من أجناد الله تعالى بقطع دابره ؟ فقال صلّى الله عليه وسلم:” إن الجَراد نَثرة الحُوت من البَحر ” أي عَطسته .
وبصرف النظر عن أصل الجراد كما ذكر الحديث فإن قتله جائز إذا حصل منه ضرر، كالغَارات على المزارع والمحاصيل وقوت الناس، فمصلحة الإنسان قبل مصلحة أي حيوان، نذبحه لنأكله ونسخره لقضاء مصالحنا في حدود الإحسان والآداب الشرعية .
وجاء في تفسير القرطبي “ج7 ص26 ” أن أهل الفقه كلهم قالوا بقتل الجراد إذا حل بأرض فأفسد، وقد رخّص النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بقتال المسلم إذا أراد أخذ ماله، فالجراد إذا أرادت فساد الأموال كان أولى أن يجوز قتلها، ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه يجوز قتل الحيّة والعقرب لأنهما يؤذِيان الناس؟ فكذلك الجراد .