أفضل الصيام، وأحبه إلى الله تعالى، لمن يطيق ولا يشق عليه، وهو صيام يوم، وفطر يوم، وهو صيام نبي الله داود عليه السلام، وهو ما أوصى به النبي ﷺ عبد الله بن عمرو، عندما وجد عنده قوة الرغبة في الخيرات، والحرص على الزيادة من الصالحات.
روى البخاري عنه أنه قال: أُخبر رسول الله ﷺ أني أقول: والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل، ما عشت! فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي (في الكلام ما يدل على أنه ﷺ سأله، فأجابه بذلك)، قال :”فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر”، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: “فصم يومًا، وأفطر يومين”، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: “فصم يومًا، وأفطر يومًا، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام”، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي ﷺ: “لا أفضل من ذلك”، وفي رواية: “لا صوم فوق صوم داود عليه السلام، شطر الدهر” (رواه البخاري في كتاب الصوم من طرق كثيرة، ورواه مسلم وغيره).
ويستحب ممن شرع في صيام التطوع، ألا يخرج منه بلا عذر، وأن يكمله، ولا يبطله، فإن خرج منه بلا عذر، فقد كرهه جماعة من العلماء، وقال بعضهم، هو خلاف الأولى.
فأما إن خرج منه بعذر فليس فيه أدنى كراهة.
والعذر مثل أن يكون ضيفًا، أو مُضيفًا، ويشق على مضيفه أو ضيفه ألا يأكل معه، فيستحب أن يفطر لإكرامه.
وفي الصحيح: “وإن لزورك (أي زوارك) عليك حقًا”، “ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه” متفق عليهما.
بخلاف ما إذا كان المُضيف أو الضيف لا يشق عليه أن يصوم فالأولى أن يستمر على صومه.
ومهما يكن من العذر أو عدمه، فإن المتطوع أمير نفسه، فليس عليه حرج إن هو خرج مما نواه من نفل، لم يلزمه به، ولا ألزم به هو نفسه بالنذر.
روت عائشة قالت: دخل النبي ﷺ ذات يوم فقال: “هل عندكم شيء؟” قلنا: لا، قال: “فإني إذن صائم”، ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله، أُهدِيَ لنا حيس! فقال “أرنيه، فلقد أصبحت صائمًا” فأكل (رواه مسلم).
وفي رواية: فأكل، ثم قال: “قد كنت أصبحت صائمًا” (رواه مسلم).
وعن أبي سعيد قال: صنعت للنبي ﷺ طعامًا، فلما وُضِع، قال رجل: أنا صائم، فقال ﷺ: “دعاك أخوك وتكلف لك، أفطر، فصم مكانه إن شئت” (رواه البيهقي بإسناد قال الحافظ عنه: حسن).
وفي حديث أبي جحيفة في قصة سلمان وأبي الدرداء، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعامًا، فقال: كل فإني صائم، فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل .. الحديث (رواه البخاري والترمذي وصححه).
ولما بلغ ذلك النبي ﷺ، أقر سلمان على موقفه ونصحه، وقال: صدق سلمان”، ولو كان قضاء هذا اليوم عليه واجبًا لبينه له، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
ولكن يستحب قضاء التطوع الذي لم يتمه، أخذًا بعموم قوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) (محمد: 23) وعملاً ببعض الأحاديث الواردة الآمرة بالقضاء، وإن لم تبلغ درجة الصحة، فتحمل على الندب، وخروجًا من خلاف العلماء، فقد ذهب أبو حنيفة ومالك إلى وجوب القضاء.
وهذا الحكم مطرد في كل تطوع، من صلاة أو صدقة، إلا الحج والعمرة، فإنهما يلزمان بالشروع فيهما بالإجماع.