الهوى شر إله عبد في الأرض ، كلمة قالها ابن عباس رضي الله عنه ، ليلخص للإنسان أخطر ما يتجنبه ، فما أضل إنسانًا اتبع هواه بغير مايرضي الله ، قال تعالى :(ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله )، ولقد أرشد الإسلام أتباعه أن يكونوا أحرارًا من رق الهوى ،فلا يخضع إلا لهدى الله ،ولا يستجيب إلا لفطرة الحق ، لأن المرء إذا اتبع هواه ضل ، وقد حذر الله تعالى داود عليه السلام من اتباع الهوى في الرأي فقال :(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ).
وجعل الرسول ﷺ من صفات المؤمن الصادق أن يكون هواه تبعا لشرع الله ،فقال :(لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به ).
يقول الدكتور عبد الرازق محمد فضل وكيل كلية اللغة العربية بالأزهر :
كلمة الرأي تعني اعتقادَ النفس أحدَ النقيضَين عن غلَبة الظن، فالذي يُطلب منه إعطاء رأيه في أمر ما، أصواب هو أم لا، يُجيب بما هو مُستقر في ضميره، إنْ كان المُستقِرُّ في نفسه عن هذا الأمر أنه صواب قال بذلك، وإنْ كان العكس قال العكس، وهكذا، وإنما قالوا: اعتقاد النفس أحدُ النقيضينِ عن غلَبة الظنِّ. ولم يقولوا: عن يقين. لأن الأحكام على الأشياء تَختلف باختلاف نَظْرة أصحابها، فما يراه فريق مِن الناس مثلًا جُمودًا يراه غيرهم أصالة، وما يحكم عليه أهل بيئة بالحُسن ربما حَكم عليه غيرهم بالقُبح، ولذلك كان مصدر ومرجع الحكم بالحُسن والقُبح في أفعال العِباد هو الشرْع؛ لأن ما حَكم الشرع بحُسنه فهو الحسن، لا يقول بقُبحه إلا فاسد الفِطْرة مَدْخول السَّرِيرة، ولذلك كان الصحابيّ فيما يُبدي مِن آراء بعيدة عمَّا فيه نَصٌّ يقول: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيُ غيري خطأٌ يحتمل الصواب.
وأمَّا أن الهوى هو آفة الرأي فالأمر فيه ظاهر، ذلك أن المَطلوب مِن صاحب الرأي أن يُعلن جهارةً بما هو مُستقر في نفسه ثابت، أن يقول بلِسانه ما يَعتقده قلبه ويَنطوي عليه فُؤاده، وكثير مِن الناس في كل زمان ومكان قالوا ويقولون شيئًا، ومُعتقدهم ومُستقر أفئدتهم شيءٌ آخر، لذلك كان الأمر القرآنيّ في سورة النساء: (يا أيُّها الذينَ آمنوا كُونوا قوَّامِينَ بالقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ ولو علَى أنْفُسِكُمْ أوِ الوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا فاللهُ أولَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أنْ تَعْدِلُوا وإنْ تَلْوُوا أو تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
وأما أن الرأي له آفات أخرى غير الهوى فنَعمْ، فالجهل مع الكِبْر آفة مِن آفات الرأي، ولذلك أوصَى الحُكماءُ المُستشيرَ في حاجةٍ له أن يَستشير حَكيمًا وألاّ يَعْصِهِ.
والأصل أن الفِطْرة التي فَطَر اللهُ الناس عليها مَكنون فيها الاستقامة، وما يُحَوِّلها عن هذه الاستقامة إلا غواشٍ مِن دُخَانٍ هذه الأرض تغشاها، وغَمرات مِن فَوْرَة اللحم والدم تَجرفها، ودفعات مِن الهوى والشهوة تَنحرف بها.
تدل مَظاهر الحياة مُنذ بدْء الخلِيقة أن سببَ الصراع ـ سواء أكان صراعَ أفرادٍ، أمْ صراعَ جَماعات، أم صراعًا في مَحسوسات، أم صراعَ حضارات ـ هو الرأي النافص الذي يغلب عليه الهوى، فما المَخرج؟
-المَخرج بالنسبة لصاحب الرأي الناقص هو التوبة التي تجعله أقوى مِن أن تنحرف به الشهوات أو الصِّلات أو المَنافع، إنه إنْ لم يَفعل كَتب على نفسه الطرْد مِن رحمة الله، وصار مثله مثل إبليس الذي أشار على آدم بأن يأكل مِن الشجرة التي نهاهُ عن الأكل منها ربُّه، ما دفعه لذلك إلا هوًى أعرَضَ به عن الحقِّ وحسَدٌ جعله يَكِيدُ لآدم ويدَّعى أنه ناصحه الأمين ومُحبُّه الأوفَى، فكان الحُكم الإلهي (قالَ اخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وإنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إلَى يومِ الدِّينِ).
-وأمَّا المَخرج بالنسبة لمَن يتلقَّى الرأيَ الغالبَ الدافعَ له الهوى ففي أن يكون لبِيبًا حَصيفًا، وأنْ يتَّخذَ العُدَّةَ صبرًا يجعله لا يَجزع ولا يَلين في باطل، وَلْيَعِ قولَ الله تعالى:
-في سورة الجاثية: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وأضَلَّهُ اللهُ علَى عِلْمٍ وخَتَمَ علَى سَمْعِهِ وقَلْبِهِ وجَعَلَ علَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
-وقوله تعالى في سورة البقرة: (ولنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ ولا النَّصارَى حتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هو الهُدَى ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهمْ بعدَ الذِي جاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ ولا نَصِيرٍ).
-وقوله تعالى في سورة القَصص: (فإنْ لمْ يَسْتَجِيبُوا لكَ فَاعْلَمْ أنَّمَا يَتَّبِعُونَ أهواءَهمْ ومَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إنَّ اللهَ لا يَهْدِي القومَ الظَّالِمِينَ).