معنى “العلي” “الاعلى” “المتعال” في اللغة:

قال ابن السِّكِّيت: عَلا الشَّيءُ عُلُواً، فهو عَليٌّ.

ويقال: عَلا فلانٌ الجبل؛ إذا رقيه يَعْلو عُلُواً. وعلا فلانٌ فلاناً إذا قَهَره، وعلوتُ الرجل: غَلَبته، وعلا في الأرض: تكبَّر، كما في قوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ) (القصص: 4).

والعَليُّ: الرفيعُ، وتعالى: ترفَّعَ. وفلانٌ من عِليةِ الناس، وهو جمع رجل عليٍّ، أي: شريف رفيع.

اسم الله “العلي” و”الأعلى” و”المتعال” في القرآن الكريم:

ورد اسم”العليّ” في ثمانية مواضع منها:

قوله تعالى: (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة: 255).

وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير) (الحج: 62).

وقوله: (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) (غافر: 12).

وقوله: (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى: 51).

وأما”الأعلى” فقد جاء في:

قوله: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى:1).

وقوله: (إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى) (الليل: 20).

وأما”المتعال” فقد جاء مرّةً واحدةً؛ في:

قوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) (الرعد:9).

معنى “العلي” و”الأعلى” و”المتعال” في حق الله تبارك وتعالى:

قال ابن جرير رحمه الله:”وأمّا تأويل قوله: (هو العليِ) فإنه يعني: والله العليّ، والعليّ الفعيل من قولك: علا يعلو علواً، إذا ارتفع فهو عالٍ وعلي، والعلي ذو العلوّ والارتفاع؛ على خَلْقه بقُدْرته.

قال الخطابي:”العليُّ”: هو العالي القاهر، فعيل بمعنى فاعل، كالقدير والقادر والعليم والعالم، وقد يكون ذلك من العُلُوِّ الذي هو مصدر علا، يعلو، فهو عالٍ، كقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5). ويكون ذلك مِنْ علاءِ المجد والشرف، يقال منه: علَى يعلىَ علاءً، ويكون الذي علاَ وجلَّ أنْ تَلْحقه صفات الخَلْق؛ أو تُكيِّفهُ أوهامهم” اهـ.

وقال البغوي في قوله: (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ): العالي على كلِّ شيء .

وقال ابن كثير:”وقوله: (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ) (الحج: 62)،كما قال: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255)، وقال: (الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) (الرعد:9)، فكلّ شيء تحت قَهْره وسُلطانه وعظمته، لا إله إلا هو؛ ولا ربَّ سواه، لأنه العظيمُ الذي لا أعظمَ منه، العليّ الذي لا أعْلى منه، الكبيرُ الذي لا أكبر منه، تعالى وتقدّس وتنزّه عزَّ وجلَّ؛ عما يقول الظَّالمون المُعتدون؛ عُلُواً كبيراً” .

وقال أبو بكر ابن خزيمة رحمه الله:”وقال جلّ وعلا: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى:1)، فالأعْلى مفهوم في اللغة: أنَّه أعْلى كلِّ شيء، وفوقَ كلّ شيء، والله قد وَصَف نفسَه في غير موضع من تنزيله ووجوهه، وأعْلمنا أنه العَلي العظيم، أفليس العليّ – يا ذوي الحِجَى – ما يكون عَالياً، لا كما تزعم المُعَطّلة الجهمية؛ أنَّه أعلى وأسفل ووسط كل شيء؟! وفي كلِّ موضعٍ من أرضٍ وسماء، وفي أجواف جميع الحيوان، ولو تدبروا الآية مِنْ كتاب الله لفهمها؛ لعقلوا أنَّهم جهّالٌ لا يفهمون ما يقولون، وبانَ لهم جهلهم أنفسهم؛ وخطأ مقالتهم. قال الله تعالى: لمّا سأله موسى عليه السلام أنْ يريه ينظر إليه؛ قال: (لنْ تراني ولكنْ انْظر إلى الجبل) (الأعراف: 143)، إلى قوله: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً) أفليسَ العلم مُحيطاً- يا ذوي الألباب- أنّ الله عزَّ وجلَّ لو كان في كلّ موضعٍ؛ ومع كلِّ بشرٍ وخَلق- كما زعمت المعطلة- لكان مُتجلّياً لكلّ شيء، وكذلك جميع ما في الأرض؛ لو كان مُتَجلّياً لجميع أرضه؛ سَهْلها ووَعْرها وجبالها، براريها ومَفَازها، مُدنها وقُراها، وعمارتها وخَرابها، وجميع ما فيها مِنْ نباتٍ وبناء، لجعلها دكاً؛ كما جعلَ اللهُ الجبل الذي تجلّى له دكّاً، قال تعالى: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً) اهـ .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:”وهو سُبحانه وَصَف نفسَه بالعُلو، وهو مِنْ صفات المدح له بذلك، والتعظيم، لأنَّه من صفات الكمال، كما مدح نفسه بأنَّه العظيم والعليم؛ والقدير والعزيز والحليم؛ ونحو ذلك، وأنَّه الحيُّ القيوم، ونحو ذلك مِنْ معاني أسْمائه الحسنى، فلا يجوز أنْ يتّصف بأضداد هذه. فلا يجوز أنْ يُوصفَ بضدّ الحَياة والقيّومية؛ والعلم والقُدرة، مثل الموت والنوم؛ والجهل والعجز واللغوب، ولا بضدّ العزّة وهو الذلّ، ولا بضدّ الحِكْمة وهو السَّفه. فكذلك لا يُوصف بضدّ العلو؛ وهو السُّفُول، ولا بضدّ العظيم وهو الحقير، بل هو سبحانه منزَّهٌ عن هذه النقائص؛ المُنَافية لصفات الكمال الثابتة له، فثبوت الكمال له؛ ينفي اتصافه بأضدادها؛ وهي النقائص” اهـ .

وقال السّعدي:”العليّ الأعلى”: وهو الذي له العلوّ المطلق؛ مِنْ جميع الوجوه: علوّ الذات، وعلوّ القَدْر والصفات، وعلوّ القهر. فهو الذي على العرش اسْتوى، وعلى المُلْك احْتوى، وبجميع صفاتِ العَظَمة والكِبْرياء، والجَلال والجمال، وغايةِ الكَمَال اتّصف، وإليه المُنْتَهى”. إذن؛ فجميع مَعَاني العلوّ ثابتة له؛ سبحانه وتعالى. كما قرّر ذلك الإمامُ ابن القيم في نونيته؛ بقوله: وهو العليُّ فكلُّ أنواعِ العُلو لـه فَثَابتةٌ بـِلا نـُكْـران.

من آثار الإيمان باسم الله “العلي” و”الأعلى” و”المتعال”:

1- إثباتُ العلوّ المُطلق لله ربّ العالمين؛ بكل معانيه، دون أنْ نُعطّل أو نُؤوّل شيئاً منها، ونثبت شيئاً، لأنّ ذلك تحكُّمٌ لم يأذن الله به. فنقول أولاً: تضمّنت هذه الأسْماء: إثبات علوّ ذاتِ ربّنا سبحانه، وأنه عالٍ على كلِّ شيء، وفوقَ كل شيء، ولا شيءَ فوقه، بل هو فوق العرش كما أخبر عن نفسه، وهو أعلم بنفسه. وهذا اعتقادُ سَلَف الأمّة، ومَنْ تبعهم بإحْسَانٍ إلى يوم الدِّين، من علماء الحديث والتفسير؛ والفقه والأصول؛ والسيرة والتاريخ؛ والعربية والأدب وغيرهم. وسُنحاول باختصار؛ ذكرُ ما يدلّ على عُلوّ ذَاته سُبحانه وتعالى؛ من آيات الكتاب، والأحاديث النبوية الشريفة.

• فمن آيات الكتاب:

1- قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف: 54). وقد ذكر الاسْتواء في ست آيات أخر؛ في (سورة يونس:3)، (الرعد: 2)، (طه:5)، (الفرقان: 59)، (السجدة: 4)، (الحديد: 4).

2- بيَّن اللهُ تعالى في آياتٍ كثيرة؛ أنَّ”الرُّوح” -وهو جبريل عليه السلام-؛ والملائكة منه تتنزّل، وإليه تَعْرجُ وتصعد. منها: قوله تعالى: (مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (المعارج: 3 – 4). وقوله عن ليلة القدر: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْر) (القدر: 4). ومعلومٌ أنّ التنزُّل؛ لا يكونُ إلا مِنَ العُلوّ.

3- وأخبر تعالى أنه ينزِّل ملائكته بالوحي والكتاب؛ على مَنْ يشاء من عباده، قال سبحانه: (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) (النحل:2). وقال: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) (الشعراء: 192 – 194).

4- أنّ الأعْمَال الصالحة؛ والكلام الطيّب؛ إليه يَصْعدَان، قال تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر: 10). قال الدارمي: فإلى مَنْ تُرفع الأعمال؛ والله- بزَعْمكم الكاذب- مع العاملِ بنفسه؛ في بيته ومسجده؛ ومنقلبه ومثواه؟!! تعالى الله عما يقولونَ عُلوّاً كبيراً” اهـ.

5- قوله تعالى مخاطباً نبيه المسيحَ عليه الصلاة والسلام: (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ) (آل عمران: 55). وقوله سبحانه: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ) (النساء: 157- 158).

6- قوله الله تعالى عن فرعون: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ* أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى) (غافر: 36 – 37)، دليلٌ على أنّ فرعونَ كان يُريدُ الاطِّلاع إلى الله تعالى في السماء، وذلك أنَّ موسى وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛كانوا يَدْعونهم إلى الله بذلك.

• وأما الأحاديث التي تدلُّ على”العُلُو” فهي كثيرة منها:

1- حديث معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه: حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية:” أين الله؟” قالت: في السماء، قال:” مَنْ أنا؟” قالت: أنتَ رسولُ الله. قال:” اعْتِقْها؛ فإنَّها مُؤْمِنَة”. قال أبو سعيد الدارمي:”ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا؛ دليلٌ على أنَّ الرجل إذا لم يَعلم أنّ الله عزَّ وجل في السَّماء دون الأرض؛ فليس بمؤمنٍ، ولو كان عبداً فأُعْتق؛ لم يَجْزِ في رقبةٍ مؤمنة؛ إذْ لا يَعْلم أنَّ الله في السماء” اهـ .

2- الأحاديث الكثيرة في مِعْراج النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج، وقد تواترت؛ وأجمع عليها سَلَفُ الأُمة وأئمتُها. والعُرُوج: هو الصُّعود للأعلى.

3- حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قامَ فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرْبعِ كلماتٍ؛ فقال:”إنَّ اللهَ لا يَنَام، ولا يَنْبغي له أنْ يَنَامَ، يَخْفضُ القِسْط ويُرْفعه، يُرْفعُ إليه عملُ الليلِ قبلَ النَّهار، وعَمل النَّهارِ قبلِ الليل…”..

4- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”يَتَعاقَبُون فيكم مَلائكةٌ بالليلِ، ومَلائكةٌ بالنَّهار، ويَجْتمعونَ في صلاةِ الفَجْر، وصلاةِ العَصْر، ثم يعرُجُ الذين بَاتُوا فيكم، فيَسْألُهم ربُّهم – وهو أعلمُ بهم – كيفَ ترَكَتُم عِبَادي؟ فيقولون: تَرَكنَاهم وهمْ يُصلُّون؛ وأتَيْناهم وهمْ يُصلُّون”.

5- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”والذي نفسي بيده؛ ما من رجلٍ يدعو امرأته إلى فراشها، فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء؛ ساخطاً عليها، حتى يرضى عنها”.

6- حديث أنس: أن زينبَ رضي الله عنها كانت تَفْخرُ على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول:” زوّجَكنَّ أهَاليكن، وزوّجني اللهُ تعالى؛ مِنْ فوقِ سَبْعِ سَماوات”. وفي رواية:” وكانت تقول: إنَّ الله أنْكَحَني في السَّماء”، وغيرها من الأحاديث الكثيرة.

أما أقوال السَّلف في إثبات أنّ الله تعالى فوقَ العرش، فهي كثيرة؛ ننقل هاهنا منها ما يتَيسَّر:

1- قال الشيخ أبو نصر السجزي في كتاب”الإبانة” له:”وأئمتُنا كسفيان الثوري ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وعبدالله ابن المبارك وفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي: متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش، وأن علمه بكل مكان، وأنه يرى يوم القيامة بالأبصار، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا..”.

2- قال عبد الله بن المبارك وسأله علي بن الحسن بن شقيق:”كيف ينبغي لنا أنْ نَعْرف ربّنا عزّ وجل؟ قال:” على السّابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: أنه ها هنا على الأرض”.

3- وقيل ليزيد بن هارون: من الجهمية؟ فقال:” مَنْ زعم أن الرَّحمن على العرش اسْتوى؛ على خلاف ما يقرُ في قلوب العامة؛ فهو جَهْمي”.

4- وقال ابن عبد البر في كتابه”التمهيد” بعد أن ذكر حديث”ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا…”: وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله عز وجل في كل مكان، وليس على العرش.

5- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ بعد أنْ نقل جُملة من أقوال سلف الأمة وعلمائها في هذه المسألة: “ونقل أقوال السلف من القرون الثلاثة، ومن نقلَ أقوالهم في إثبات أن الله فوق العرش يطول، ولا يتسع له هذا الموضع؛ ولكن نبهنا عليه” اهـ .

النزاع في هذه المسألة محرم: والنزاع في إثبات العلو للرب سبحانه محرم لا يجوز، لأنه ليس من المسائل التي يجوز الاجتهاد فيها، بل يجب التوقف عند النصوص الشرعية الواردة فيها. قال شيخ الإسلام: ولم يكن هذا عندهم من جنس مسائل أهل البدع المشهورين في الأمة: كالخوارج، والشيعة ، والقدرية، والمرجئة؛ بل كان إنكار هذا عندهم أعظم من هذا كله، وكلامهم في ذلك مشهور متواتر.

ولهذا قال الملقب بإمام الأئمة أبو بكر ابن خزيمة فيما رواه عنه الحاكم:”من لم يقل إن الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه وجب أنْ يستتاب، فإنْ تاب وإلا ضربت عنقه، ثم ألقى على مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة” اهـ .

قلت: وتكفير السلف لهم، منقولٌ في كتب السنة والعقائد بالأسانيد الصحيحة. وفيما ذكرنا كفاية لمن هداه الله وألهمه رشده، وأما من أراد الله فتنته فلا حيلة فيه، بل لا يزيده كثرة الأدلة؛ إلا حيرةً وضلالاً، كما قال تعالى: (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً) (المائدة: 64). وقال: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً) (الإسراء:82). والحمد لله رب العالمين.

من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي.